دخلت الملكة بلقيس، ملكة سبأ، وفى يدها خطاب وقالت لقومها: «يَا أَيُّهَا المَلأ إِنِّى أُلْقِيَ إِلَىَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ * إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلاَّ تَعْلُوا عَلَىَّ وَأْتُونِى مُسْلِمِينَ» (النمل:29ـ31).
ثم أطرقت الملكة حيناً ثم قالت «وَإِنِّى مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ»، ولكن سليمان رد عليهم ردًا عنيفاً وتوعدهم «فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ»، وتوقفت الملكة، لقد كانت تعرف قوة سليمان ولا تريد أن تزج بشعبها فى معركة طاحنة، فتوالت الرسل فيما بينهما حتى تبينت أنه رسول كريم، وعادت إلى قومها بالسلام والشرف، هذه الملكة التى عندما أخبرت قومها بخطاب سليمان قالت: «يَا أَيُّهَا المَلأ أَفْتُونِى فِى أَمْرِى مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ»، كانت هذه الملكة العربية منذ آلاف السنين تبدع مبدأ ديمقراطيًا يجعل الحاكم لا يقطع أمرًا حتى يشهد الشعب، وعندما ردوا «قَالُوا نَحْنُ أُوْلُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِى مَاذَا تَأْمُرِينَ»، فآثرت السلام على الحرب والأمن على الخوف، وكانت نعم الملكة لشعبها وخيرًا له عن الرجال الغلاظ الذين أرادوا الحرب، ففى كل هذه الخطوات والسكنات كانت الملكة تسفر عن إيمان عميق بالشورى وبرأى الشعب، بل حتى عندما فوض إليها الشعب الأمر فإنها اختارت الأمثل، فهل هناك من الملوك ذوى الشوارب والذقون من يفضل رأيها؟ وأين إخواننا الوهابيون من حديثها؟ ومن تدبيرها؟ وهل يسمحون لها بخلع النقاب؟ وهل لا يزالون يؤمنون بأن النساء ناقصات عقل ودين.. وأن المرأة تقبل وتدبر بالشيطان؟
كلمة أخيرة تثير الدهشة أن هذه الملكة وهبت من العقل والفكر ما غلب على طبيعتها «الملكية»، فأصدرت وهى الملكة على الملوك أمر الإعدام «قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ».
تحية لك يا صاحبة الجلالة.. من صميم صفحات المصحف.. وآيات النظم الحكيم.